معايدة من شائبة ما عادت تهتم للأعياد
إنه شهر فبراير شهر الجمال والهدوء وعنفوان الشتاء القارس، شهر موعد تذكيرنا بحق قلوبنا علينا وضرورة تبادل المشاعر والورد والهدايا وإن كانت برعاية اللون "الأحمر" لون الدم الذي يجري في عروقنا ويبدع القلب السليم في ضخه كما نبدع نحن معشر البشر في إراقته وسفكه..
إلا أنه رغم هذا الحدث الكبير الذي يغطي على باقي الأحداث الجليلة في هذا الشهر بالذات؛ حدث عيد الحب العظيم الذي ما هو سوى رمزية بسيطة لشيء أعمق وأهم ولا شك غيبناه من حياتنا ولو كان العكس لما عاث فينا الكره ولحقتنا ويلاته وفعلت بنا الأفاعيل، دون غفلتنا عن المحاولة الحثيثة للكره المتجذر في بعضنا لكل ما يبعث على البهجة والحبور بالهيمنة عليه وتجريمه حينا وتهويله أحيانا أخرى مع تحريمه إطلاقًا من قبل البعض، غير أنه في هذا الشهر تواريخ ولادات لأشخاص يتفاوتون في العمر ويختلفون في الاهتمامات ولكن يشتركون لا شك في النجاح والتأثير الإيجابي، من هؤلاء السالكة الغزاري أو "سلوكة الحب" كما يحلو لي أن أناديها هذه الشابة التي يصعب علي وصفها والتي أجدني في كل مرة ساهمة ومطلقة العنان لمخيلتي علها تستجمع بعض شتات المفردات والجمل حتى أكتب عنها ولا أظن أنني بحاجة إلى القول: إنني أتعثر في كل مرة ولا تنصفني لا المخيلة ولا القدرة على التعبير، وربما يمكنني مؤانسة نفسي برد قاله لي العزيز يوسف الخضر حين أخبرته بأنني بعد قراءة مجموعته الشعرية "قبر في الأرض قبر في السماء" لم أجد غير الصمت كتفسير لما شعرت به تجاه هذا العمل فقال: هذا بحد ذاته نقد! أنا أيضا أعتقد أن فرار العبارات والجمل مني هو تعبير بحد ذاته عما أكنه لك.
حبيبتي السالكة أكتب لك اليوم وأنا أشعر بسأم ويأس بالغين نتيجة ما يحدث في وطني الأم ووطني الثاني سورية فكما تعلمين عالم الآثار أندريه بارو يرى أن "لكل إنسان وطنان وطنه الأم وسورية" فما بالك بقومية مثلي طاعنة في القومية الفطرية حتى النخاع، أو على رأي الجميلة لينا هويان الحسن "سوريا" فأنا أضمها لأشعر بأنني أحضنها إلى قلبي علها تشعر بقليل من الدفء الصادق والأمان اللا محدود بينما ابنتها لينا تريدها "بألف ممدودا كالفتوحات، كرايات أذنية، وحرا كدبوس شعر زنوبيا"… ، ما يجري في بلدنا يا السالكة شيء مؤلم حدّ الخرس، موجع حد الاكتئاب، جهل، غلاء، فساد، اعتقالات، ومؤخرا زهق أرواح مواطنينا سواء على الحدود أو داخل مؤسسات الدولة التي تم تشييدها من عرق المواطن وخيرات أرضه، لذلك يا حبيبة لا أعرف ماذا أكتب ولا عن ماذا أكتب ولا كيف أكتب، ولو أن الكتابة لم تكن كل شيء بالنسبة لي لما كتبت!
أكتب لك اليوم بمناسبة ذكرى ميلادك بعد فوات اليوم الموافق لها وذلك كما تعلمين ليس تجاهلا ولا تغافلا وإنما هو نتيجة علاقتي السيئة بالأعياد بعد رحيل سعد، هذه الحقيقة يا السالكة؛ أنا ما عدت أهتم بالأعياد لا الأعياد الدينية ولا الأعياد الأخرى إلا شكليا، أحاول أن أقاوم الحزن المعشش في روحي بقدرتي الفائقة على السخرية والضحك ولكن شيئا بداخلي مات بموته ولا أظنني كنت مبالغة حين كتبت مرة "نحن نموت بموت من نحبهم".. ولكن بالرغم من هذا لا زلت أرفض عدم مشاركة من أحبهم بالأوقات السعيدة وتهنئتهم كلما صادفتني ذكرى تعني لهم وإن بشكل متأخر، ولعلهم أكثر من سيتفهمني ويعذرني وخاصة حين يكونون هم من يذكروني بذكرى مولدي ويحتفلون بها لا أنا، أعتقد أن ذلك دليلا كافيا على علاقتي الغير حسنة بالأعياد وبتواريخها.
السالكة أكتب لك اليوم هذه المعايدة الغير مبهجة لأنني وأنا أكتب لك وأعايدك أكتب من خلالك للبلد لأنك من أوائل من يحضرونا حين نهم بالحديث عن البلد، فملحفتك تذكر بتاريخ المرأة الحسانية منذ أوجدت في هذه الرقعة من الأرض، والكحل في عينيك يلخص حكاية غواية الصحراء لأول ملثم وطئها، والزينة التي تلبسينها تذكرنا بزينة مهرة عربية من المهر التي شورك بهن في معارك فتح بلاد "السيبة" منذ قرون ونيف!
أكتب لك بهذا الأسلوب لجزمي بأنك موقنة مما تعنيه لي كوني استحضرت كل شيء؛ الموت، الحياة، الجدية، السخرية، الفرح، الألم، الحب، الهم الجمعي، الوطن، وجل القضايا الكبيرة.. وهذا مما لا أستحضره أثناء الحديث لكثير من الأشخاص أو عنهم، وأيضا حين كتبت لك بهذا التفصيل الممل والمضجر لمن تعودوا تصفح المقاطع القصيرة فقط ولا وقت لديهم لأي ممارسة أخرى لحقنا في الكلام وخاصة بالكتابة.
سلوكة كل عام وأنت عميقة، جميلة، فاتنة، وحبيبة..
كل عام وأنت بخير.
تعليقات
إرسال تعليق